- موضوعات متنوعة / ٠3دورات للطلاب الأجانب / ٠2دورة عام 1999
- /
- ٠1عقيدة
قال الإمام ابن القيم:
ـ أكمل الناس عبودية: المتعبد بجمع الأسماء والصفات التي يطلع عليها البشر، فلا تحجبه عبودية اسم عن عبودية اسم آخر، كمن يحجبه التعبد باسمه " القدير" عن التعبد باسمه " الحليم الرحيم " أو يحجبه عبودية اسمه " المُعطي " عن عبودية اسمه " المانع "، أو عبودية اسمه " الرحيم والعفو والغفور " عن اسمه " المنتقم "، أو التعبد بأسماء " التودد والبر واللطف والإحسان " عن أسماء العدل والجبروت والعظمة والكبرياء ونحو ذلك.
وهذه طريقة الكمَّل من السائرين إلى الله، وهي طريقة مشتقة من قلب القرآن. قال تعالى:
﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾
1ـ الملك الحق
ـ من أسمائه الملك، ومعنى المُلك الحقيقي ثابت له سبحانه بكل وجه، وهذه صفة تستلزم سائر صفات الكمال ؛ إذ من المحال ثبوت الملك الحقيقي التام لمن ليس له حياة ولا قدرة، ولا إرادة ولا سمع ولا بصر، ولا كلام ولا فعل اختياري يقوم به.
ـ وكيف يوصف بالملك من لا يأمر ولا ينهى، ولا يثيب ولا يعاقب، ولا يعطي ولا يمنع، ولا يعز ولا يذل، ويهين ويكرم، وينعم وينتقم، ويخفض ويرفع، ويرسل الرسل إلى أقطار مملكته، ويتقدم إلى عبيده بأوامره ونواهيه، فأي ملك في الحقيقة لمن ليس له كل ذلك ؟!.
ـ قال تعالى:
﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)﴾
فتأمل ما في هذين الاسمين وهما " الملك " " الحق " من إبطال هذا الحسبان الذي ظنه أعداؤه، إذ هو مناف لكمال ملكه، ولكونه الحق، إذ المَلك الحق هو الذي يكون له الأمر والنهي؛ فيتصرف في خلقه كيف يشاء.
ـ فمن ظن أنه خَلَق خَلْقه عبثاً لم يأمرهم ولم ينههم فقد طعن في ملكه، ولم يقدره حق قدره، كما قال تعالى:
﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾
ـ فمن جحد شرع الله، وأمره ونهيه، وجعل الخلق بمنزلة الأنعام المهملة، فقد طعن في ملك الله، ولم يقدره حق قدره، وكذلك كونه تعالى إله الخلق يقتضي كمال ذاته وأسمائه وصفاته، ووقوع أفعاله على أكمل الوجوه.
ـ فكيف يظن بالملك الحق أن يخلق خلقه عبثاً، وأن يتركهم سدى، لا يأمرهم ولا ينهاهم كما قال تعالى:
﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)﴾
ـ تأمل قوله تعالى:
﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38)﴾
ـ فمن لم يتركه وهو نطفة سدىً، بل قلَّب النطفة حتى صارت أكمل مما هي وهي العلقة، ثم قلب العلقة وصرفها حتى صارت أكمل مما هي ؛ حتى خلقها فسوى خلقها فدبرها بتصريفه وحكمته، حتى انتهى كمالها بشراً سوياً... فكيف يتركه سدىً لا يسوقه ؟.
ـ وقد أنكر سبحانه على من زعم أنه لم يَخلُقِ الخلق لغاية ولا لحكمة، كقوله:
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39)﴾